سورة الشورى - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشورى)


        


{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10)}
قوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ} حكاية قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمؤمنين، أي وما خالفكم فيه الكفار من أهل الكتاب والمشركين من أمر الدين، فقولوا لهم حكمه إلى الله لا إليكم، وقد حكم أن الدين هو الإسلام لا غيره. وأمور الشرائع إنما تتلقى من بيان الله. {ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي} أي الموصوف بهذه الصفات هو ربي وحده، وفية إضمار: أي قل لهم يا محمد ذلكم الله الذي يحيي الموتى ويحكم بين المختلفين هو ربي. {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} اعتمدت. {وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} أرجع.


{فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الأنعام أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)}
قوله تعالى: {فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} بالرفع على النعت لاسم الله، أو على تقدير هو فاطر. ويجوز النصب على النداء، والجر على البدل من الهاء في {عليه}. والفاطر: المبدع والخالق. وقد تقدم.. {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً} قيل معناه إناثا. وإنما قال: {مِنْ أَنْفُسِكُمْ} لأنه خلق حواء من ضلع آدم.
وقال مجاهد: نسلا بعد نسل. {وَمِنَ الأنعام أَزْواجاً} يعني الثمانية التي ذكرها في الأنعام ذكور الإبل والبقر والضأن والمعز وإناثها. {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} أي يخلقكم وينشئكم {فِيهِ} أي في الرحم.
وقيل: في البطن.
وقال الفراء وابن كيسان: {فيه} بمعنى به. وكذلك قال الزجاج: معنى {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} يكثركم به، أي يكثركم يجعلكم أزواجا، أي حلائل، لأنهن سبب النسل.
وقيل: إن الهاء في {فِيهِ} للجعل، ودل عليه {جعل}، فكأنه قال: يخلقكم ويكثركم في الجعل. ابن قتيبة: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} أي في الزوج، أي يخلقكم في بطون الإناث. وقال: ويكون {فِيهِ} في الرحم، وفية بعد، لان الرحم مؤنثة ولم يتقدم لها ذكر. {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} قيل: إن الكاف زائدة للتوكيد، أي ليس مثله شي. قال:
وصاليات ككما يؤثفين ***
فأدخل على الكاف كافا تأكيدا للتشبيه.
وقيل: المثل زائدة للتوكيد، وهو قول ثعلب: ليس كهو شي، نحو قوله تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} [البقرة: 137].
وفي حرف ابن مسعود {فإن آمنوا بما آمنتم به فقد اهتدوا} قال أوس بن حجر:
وقتلى كمثل جذوع ألن *** خيل يغشاهم مطر منهمر
أي كجذوع. والذي يعتقد في هذا الباب أن الله جل اسمه في عظمته وكبريائه وملكوته وحسنى أسمائه وعلي صفاته، لا يشبه شيئا من مخلوقاته ولا يشبه به، وإنما جاء مما أطلقه الشرع على الخالق والمخلوق، فلا تشابه بينهما في المعنى الحقيقي، إذ صفات القديم عز وجل بخلاف صفات المخلوق، إذ صفاتهم لا تنفك عن الأغراض والاعراض، وهو تعالى منزه عن ذلك، بل لم يزل بأسمائه وبصفاته على ما بيناه في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وكفى في هذا قوله الحق: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}. وقد قال بعض العلماء المحققين: التوحيد إثبات ذات غير مشبهة للذوات ولا معطلة من الصفات. وزاد الواسطي رحمه الله بيانا فقال: ليس كذاته ذات، ولا كاسمه اسم، ولا كفعله فعل، ولا كصفته صفة إلا من جهة موافقة اللفظ، وجلت الذات القديمة أن يكون لها صفة حديثة، كما استحال أن يكون للذات المحدثة صفة قديمة. وهذا كله مذهب أهل الحق والسنة والجماعة. رضي الله عنهم!


{لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12)}
قوله تعالى: {لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} تقدم في {الزمر} بيانه. النحاس: والذي يملك المفاتيح يملك الخزائن، يقال للمفتاح: إقليد، وجمعه على غير قياس، كمحاسن والواحد حسن. {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} تقدم أيضا في غير موضع.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8